استخدامات الطاقة الشمسية في مناطق الجنوب الشرقي للبلاد كثيرة ومتعدّدة، إلا أنها ترتكز أكثر على مجالات معينة تتعلق بتوليد الطاقة الكهربائية، والاستفادة من خدماتها في مجال الفلاحة تحديدا، حيث أضحت الطاقة الشمسية أحد الحلول المهمة لتجسيد مشاريع واعدة، أثبتت التجربة نجاحها في عمق الصحراء الجزائرية التي تعد خزانا هاما لهذا النوع من الطاقات المتجددة، هذا بالإضافة إلى أن الطاقة الشمسية، اليوم، تساهم في تحسين ظروف العيش للعديد من العائلات في مناطق الظل التي استفادت عبر الوطن من ألواح شمسية لتدعيم الطاقة في البيوت والمؤسسات التعليمية، وبعض المصالح الإدارية أيضا التي يجري دمجها تدريجيا في سياق مشروع الانتقال الطاقوي من أجل اقتصاد الطاقة وترشيد استخداماتها.
يعتبر الدكتور حسين بن ساحة، أستاذ باحث بوحدة البحث التطبيقي للطاقات المتجددة بغرداية، أن استخدامات الطاقة الشمسية متعددة خاصة في الجنوب الجزائري، إذ تستخدم الطاقة الشمسية في تزويد المساكن بالطاقة الكهربائية، الإنارة العمومية، تسخين المياه للاستخدام المنزلي والصناعي، التدفئة، تسخين البيوت البلاستيكية، وما إلى ذلك من الاستخدامات المهمة، والتي لها أثر بالغ في التنمية المستدامة.
وحسب الأبحاث المنجزة، يرى المتحدث أن المجال الذي يمكن تطوير التجارب فيه هو المجال الفلاحي، لما له من فائدة في النهوض بالاقتصاد الوطني. وذلك بتطوير التجفيف الشمسي، لما له من فوائد في تخزين المنتجات الفلاحية لمدة طويلة دون تلف المحاصيل مثل الطماطم، كذلك استخدام الطاقة الشمسية في تسخين الأحواض للمساهمة في تربية الأسماك لما لهذا القطاع من أهمية في التزويد بالمنتجات السمكية، خاصة المناطق الداخلية.
وتحتل الجزائر المرتبة الخامسة عالميا في مقدرات الطاقة الشمسية ووطنيا تعد منطقة تمنراست المنطقة الأهم، من حيث الطاقة الشمسية تليها منطقة الهضاب العليا، وتعتبر الطاقة الشمسية طاقة مجانية دائمة، كما أنها تسمى الطاقة النظيفة لعدم انبعاث الغازات الدفيئة منها، فهي فعلا معيار مهم للتنمية المستدامة.
وعن المشاكل المطروحة في استخدامها هنا في الجزائر، فتتمثل أبرزها حسب محدثنا في عدم وجود الطلب عليها من طرف المواطنين، وذلك لتكلفة الكيلواط المدعم من طرف الدولة، حيث للأسف تكلفة الطاقة في الجزائر ليس بالمشكل الذي يدفع بالمواطنين للبحث عن بديل أو محاولة ترشيد الاستهلاك، فأغلب المشاريع المنجزة لحد الآن هي مشاريع وطنية أنجزت لتوليد الكهرباء وضخها في الشبكة الوطنية، كما توجد بعض المشاريع المنجزة في المناطق المعزولة البعيدة عن الشبكة الكهربائية.
وفيما يخص التوصيات الممكن الأخذ بها لتطوير هذا المجال، قال الدكتور سماحي إن ما تزخر به الجزائر من مقدرات هامة للطاقة الشمسية كان بالإمكان أن يجعل منها دولة رائدة في هذا المجال، وخاصة لما لها من خبرة، علما أنه في الثمانينات كانت الجزائر تنتج جميع أنواع الألواح الشمسية ذات كفاءة عالية.
استخدامات محدودة رغم الفائدة الكبيرة..
أشار المتحدث إلى أن رفع الدعم عن الكهرباء سيعود بفائدة كبيرة للوطن، حيث ستخلق هذه الخطوة سوقا للطاقة الشمسية يرتكز على قانون العرض والطلب، كما أنه سينتج طلبا كبيرا على أجهزة المحطات الشمسية، وطلبا على اليد العاملة للتركيب والصيانة، وسيؤدي ذلك أيضا إلى ظهور مؤسسات لإنتاج جميع تجهيزات المحطات الشمسية من أجل تغطية الطلب الوطني ولِم لا الطلب الخارجي.
ومحليا يقتصر استعمال الطاقات المتجددة على الطاقة الشمسية بشكل رئيسي، وبشكل أقل الطاقة الحرارية الأرضية، كما يؤكد ذلك الدكتور جمال بن منين، رئيس قسم الطاقات المتجددة بجامعة قاصدي مرباح ورقلة، حيث نجد – حسبه – استخدام الطاقة الشمسية الكهروضوئية في المجال الفلاحي لاسيما في المستصلحات البعيدة عن شبكة الكهرباء، إذ يتم وعن طريق نظام كهروضوئي تحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء تستعمل في أنظمة السقي، وكذا في بعض الآبار الرعوية التي تنتشر في المنطقة.
هذه الأنظمة تسمى»off grid» بمعنى مستقلة عن الشبكة الكهربائية، ونجد كذلك استخدام الطاقة الشمسية الكهروضوئية باستطاعة أكبر وهذا في بعض الحقول التابعة لشركة SKTM من أجل إنتاج طاقة كهربائية تحقن مباشرة في الشبكة الكهربائية مثل حقل الحجيرة، حقل وادي نشو بغرداية وحقول أخرى.
هناك كذلك استخدامات للطاقة الشمسية بشكلها الحراري، بمعنى تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة حرارية عبر عديد الأنظمة، مثل سخان الماء الشمسي والذي يستعمل لإنتاج الماء الساخن أو التدفئة، كما نجد المجففات الشمسية، والتي تهدف إلى تجفيف المحاصيل الزراعية، من أجل ضمان مدة حياة أطول، هذه الاستخدامات قليلة في المنطقة وربما حتى على المستوى الوطني، كما نجدها كذلك في أنظمة الإنارة العمومية، وكذا في بعض المقار الحكومية كالمدارس..وغيرها.
من ناحية أخرى، يعد البحث العلمي ضرورة ملحة في مجال الطاقات المتجددة، بحكم التطور السريع لهذا المجال، وكذا بروز إشكاليات يسعى البحث العلمي لإيجاد حلول لها.
وبشكل عام يسعى البحث العلمي في مجال الطاقات المتجددة لتحسين كفاءة الأنظمة الطاقوية، من خلال رفع مردودها مع مراعاة الجانب الاقتصادي (دراسات تقنو اقتصادية).
الجامعة مطالبة بالتّكوين وحل إشكالات الشّريك الاقتصادي
هنا يبرز دور الجامعة كما يقول الدكتور بن منين، من خلال شيئين اثنين، أولا تكوين الطلبة ذوي المهارات اللازمة لتلبية حاجات السوق ومخابر البحث التي تسعى لحل إشكالات يطرحها الشريك الاقتصادي، وبشكل عام فتكوين الطلبة في مجال الطاقات المتجددة موجود في عديد الجامعات عبر تخصصات، وأيضا عبر مخابر البحث التي تهتم بشتى مجالات وأنواع الطاقات المتجددة، فنجد اختصاصات من قبيل طاقات متجددة في الميكانيك وطاقات متجددة في الإلكتروتقني، طاقات متجددة تطبيقية في الأطوار الثلاثة ليسانس، ماستر ودكتوراه.
وللبحث أكثر في مجال الاهتمام بالبحث العلمي لتطوير استخدامات الطاقة الشمسية في مناطق الجنوب، كان لمجلة «التنمية المحلية» زيارة ميدانية لمخبر الطاقات المتجددة بجامعة قاصدي مرباح، حيث يتوفر هذا المخبر الذي يعتمد في توليد الطاقة الكهربائية، وبنسبة معينة على الألواح الشمسية، ويحتوي على عدد من النماذج التي يدرس من خلالها الطلبة تأثير شدة الشمس والحرارة على إنتاج الطاقة بالاعتماد على جهاز قياس شدة الإشعاع الشمسي، وهي نماذج مساعدة للطلبة في إنجاز المشاريع، مع مراعاة اختيار المكان ودراسة كل العوامل المساهمة في تحقيق مردودية أحسن في إنتاج الطاقة والظروف المثالية للتحكم فيها.
وحسب ما ذكره الطالب حسن كادي والطالبة كوثر ساسي اللذان رافقانا خلال الزيارة، يُجري الطلبة خرجات ميدانية دورية في إطار نشاطات الجامعة إلى كل من حجيرة وغرداية للاطلاع على بعض المشاريع المهمة المنجزة باستخدام الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وترتكز العديد من المشاريع الخاصة المنجزة بالاعتماد على الطاقة الشمسية، حسب منظورهم في مجال الفلاحة، حيث يعتمد عليها الفلاحون في السقي ونظام الري، خاصة في المناطق الفلاحية البعيدة عن الشبكة.
وبالحديث عن أسباب قلة انتشار الاعتماد على الطاقة الشمسية كبديل فعال للكهرباء الفلاحية، أرجع الطالبان ذلك إلى كون الألواح الشمسية مازالت مكلفة نوعا ما بالنسبة للأفراد ورغم الفوائد الاقتصادية الهامة لاستخدامات الطاقة الشمسية، إلا أن الكلفة الابتدائية كبيرة، بالإضافة إلى غياب الضمان الذي يعد من بين أسباب العزوف عن استخدام هذه الطاقة.
مشاريع لتطوير استخدامات الطّاقة الشّمسية تنتظر الدّعم
في سياق آخر، قدّم الطالبان أحد الأعمال التي يقومون بتجسيدها كفريق مكون من حوالي 11 طالبا، بإشراف 3 أساتذة في إطار نشاطات نادي الطاقات المتجددة، من خلال نموذج لمنزل يعتمد على الطاقات المتجددة المختلفة، ويجمع بين الطاقة الأرضية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالاعتماد على نظام التبادل الحراري بين الأرض والمنزل وبالاعتماد على طاقة الرياح من أجل تحسين درجة الحرارة.
وهي فكرة جديدة تهدف إلى دمج الطاقات المتجددة في نموذج واحد، ويأمل الطلبة مع مؤطريهم أن تجد الفكرة اهتماما من طرف الجهات المعنية لتسجيله كبراءة اختراع، وإيجاد التمويل لتجسيده على أرض الواقع.
وأشار المتحدثان إلى أن الفكرة قد تم طرحها للمشاركة في صالون للتعليم العالي، ولقي المشروع إعجاب القائمين على الصالون، الذي ينتظر الفريق من خلاله أن يحظى بفرصة لتمويل هذا المشروع، وغيره من المشاريع الأخرى التي يعملون عليها، على غرار مشروع أعمدة الإنارة العمومية التي تعتمد على الطاقة الشمسية، حيث يفكر فريق العمل من الطلبة والأساتذة الباحثين في تطوير هذا المشروع في اعتماد أعمدة الدليل بالطاقة الشمسية، توفر الإضاءة ليلا في المناطق غير الآهلة بالسكان وإشارة ضوئية على المسار الصحيح من أجل التقليل من حوادث ضياع الأشخاص في الصحراء.
وأكّد الطالبان أنّ هناك بعض التحسينات التي يفكر في إضافتها فريق العمل لهذا المشروع من أجل أن يكون أكثر ذكاء ومساعدا على إطلاق نداءات الاستغاثة للأشخاص التائهين، وفي نفس الوقت يسهل التعرف على المكان الذي يتواجدون فيه بالاعتماد على نظام تحديد المواقع.
مجلة الشعب